منذ توليه المنصب، أثارت استراتيجية دونالد ترامب العدوانية في فرض الرسوم الجمركية توترات عالمية، خاصة بين الدول الأكثر تضررًا من هذه الرسوم. ما بدأ كمحاولة لتحقيق ما تصفه الإدارة بـ”تجارة عادلة”، تحوّل إلى مواجهة اقتصادية واسعة النطاق باتت تشبه حربًا تجارية عالمية، تتصدرها الصين في موقع المواجهة.
ورغم أن الهدف المُعلن هو إعادة التوازن التجاري، فإن النتائج—وخاصة بالنسبة لقطاع السيارات الأميركي—أثارت قلقًا حقيقيًا. هذه الصناعة، التي تعتمد بشكل كبير على مكونات مستوردة من دول مثل الصين، باتت تواجه ضغوطًا متزايدة بسبب ارتفاع التكاليف واضطرابات سلاسل التوريد. وقد تناولنا هذه التطورات بشكل موسع في تقارير سابقة، مما دفع صناع القرار في الولايات المتحدة إلى إعادة التفكير في هذه السياسات.
ويبدو الآن أن هناك تحولًا محتملاً، حيث تشير تقارير إلى أن الرئيس ترامب يدرس إعفاء قطاع السيارات من بعض الرسوم الجمركية الأكثر تأثيرًا. الدافع واضح: حماية الشركات المصنعة الأميركية من المزيد من الأعباء المالية، خصوصًا وأن مكونات السيارات الأميركية تعتمد بشكل كبير على سلاسل توريد عالمية. تجدر الإشارة إلى أن تقلبات ترامب في سياسات التجارة ليست جديدة، وهذا التغيير المحتمل ينسجم مع سلسلة طويلة من التراجعات والتعديلات المفاجئة.
إذًا، إلى أين يقودنا ذلك الآن؟
في تأكيد من البيت الأبيض، أُعلن أن إعفاءات محتملة لصالح شركات صناعة السيارات قيد الدراسة. وجاء هذا التصريح بعد تقرير من صحيفة فايننشال تايمز أشار إلى أن الإدارة تخطط لإعفاء قطع غيار السيارات من الرسوم المفروضة على الواردات الصينية، إلى جانب رسوم أخرى تشمل الصلب والألمنيوم.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الإعفاءات ستكون منفصلة عن رسوم بنسبة 25% على السيارات المستوردة وقطع الغيار، والمقرر تنفيذها بحلول 3 مايو. وقد انعكس هذا الخبر بشكل طفيف على الأسواق، حيث شهدت أسهم بعض شركات السيارات والموردين ارتفاعًا محدودًا في تداولات ما بعد الإغلاق.
وفي سياق متصل، لمح ترامب خلال تصريحات من المكتب البيضاوي إلى إمكانية رفع الرسوم المفروضة على السيارات القادمة من كندا. وقال: “كندا تدفع 25%، وقد تزيد هذه النسبة. نحن فقط نقول، بكل احترام، لا نريد سياراتكم. نريد أن نصنع سياراتنا بأنفسنا.”
من جانبها، أظهرت كبرى جهات الضغط في صناعة السيارات الأميركية وحدة غير معتادة، حيث اجتمعت ست مجموعات رئيسية تمثل المصنعين والموردين والوكلاء للضغط على الإدارة بهدف الحصول على إعفاءات. واعتبروا أن الرسوم الجديدة قد تعرّض الإنتاج المحلي للخطر، مشيرين إلى أن العديد من الموردين يعانون بالفعل من أوضاع مالية صعبة، ما يجعل تحمل تكاليف إضافية أمرًا شبه مستحيل.
في رسالة مشتركة للبيت الأبيض، طالب هؤلاء بخطوة مشابهة للإعفاءات التي حصلت عليها شركات الإلكترونيات وأشباه الموصلات. وقد أشاروا إلى أن فرض المزيد من الرسوم قد يؤدي إلى أزمات أوسع داخل القطاع.
وتماشياً مع هذه المخاوف، صرّحت ماري بارا، الرئيسة التنفيذية لشركة جنرال موتورز، بأن الصناعة بحاجة إلى وضوح واستقرار في السياسات من أجل اتخاذ قرارات استثمارية. وخلال مشاركتها في قمة الاقتصاد العالمي التي نظمتها سيمفور، قالت: “ما أحتاجه أولاً هو الوضوح، ثم الاستقرار. لا يمكننا أن نستثمر بشكل مسؤول دون معرفة القواعد.”
وأوضحت بارا أن جنرال موتورز أجرت بعض التعديلات استجابةً للسياسات التجارية المتقلبة، لكنها لا تخطط لاتخاذ خطوات كبرى قبل أن تتضح الصورة التنظيمية بالكامل.
وفي الوقت الحالي، تراقب شركات السيارات التطورات عن كثب. وبينما يدرس ترامب خطواته القادمة، يبقى واضحًا أن مستقبل التصنيع الأميركي، وأسعار السيارات بالنسبة للمستهلكين، مرتبط بشكل كبير بهذه القرارات المرتقبة.