كيف تكون السيارات الصينية جديدة ومستعملة في نفس الوقت؟

كيف تكون السيارات الصينية جديدة ومستعملة في نفس الوقت؟

تخيل أنك تتوجه لسوق السيارات المستعملة، فتتفاجأ بسيارات كهربائية لامعة تبدو وكأنها خرجت للتو من خط الإنتاج. رائحة “الجديد” ما زالت تملأ المقصورة، المقاعد مغطاة بالبلاستيك، وعدّاد الكيلومترات بالكاد يتحرك. ولكن الورق يقول إنها “مستعملة”. هذا المشهد ليس خيالًا بل جزء من أحدث ممارسات صناعة السيارات في الصين: “السيارات المستعملة صفرية الأميال”.

تقوم شركات السيارات الصينية بتسجيل سيارات جديدة تمامًا كمستعملة، لتصديرها إلى الخارج بأسعار أقل. هذه الممارسة، التي تُعرف باسم “تصدير السيارات المستعملة صفرية الأميال”، أصبحت ظاهرة متصاعدة مدعومة من الحكومات المحلية، رغم أنها أثارت مؤخرًا انتقادات من كبار مسؤولي الصناعة والجهات التنظيمية.

كيف تكون السيارات الصينية جديدة ومستعملة في نفس الوقت؟ (1)

كيف تتم العملية؟

تبدأ الخدعة عند خروج السيارة من المصنع، حيث تُسجّل باسم وكيل محلي أو شركة شريكة. يتم إصدار لوحة تسجيل صينية لها، مما يمنحها صفة “السيارة المستخدمة” رسميًا. في بعض الحالات، لا يُدفع أي مبلغ فعلي للمصنع، أو يُستكمل الدفع لاحقًا، وتكون الصفقة صورية بهدف تسجيل المبيعات فقط. بعد ذلك، تُعاد السيارة إلى السوق، وتُدرج كسيارة مستعملة وتُعرض للبيع محليًا أو تُشحن للخارج.

بهذه الطريقة، ينجح المصنع في تسجيل السيارة كمبيعة رسمية، وتحقيق الإيرادات، دون أن تصل إلى مستهلك نهائي داخل الصين. أما الحكومات المحلية، فترى في هذا المسار فرصة لتسريع النمو الاقتصادي وتحقيق أهداف الناتج المحلي، مما يعزز فرص المسؤولين المحليين في الترقية أو الحصول على دعم إضافي من بكين.

لماذا تفعل الصين ذلك؟

الجواب يكمن في التحديات التي تواجهها السوق الصينية: فائض إنتاج، دعم حكومي سابق ضخم، ومنافسة شرسة بين علامات محلية. نتيجة لذلك، باتت الشركات تسعى لتصريف سياراتها بأي وسيلة، ولو عبر “التجميل المحاسبي” لمؤشرات البيع.

وقد وصل الأمر لدرجة أن أكثر من 4,000 تاجر سيارات يُعتقد أنهم مشاركون في هذه الآلية، وفق تصريحات لوي جيانجون، رئيس شركة Great Wall Motors.كيف تكون السيارات الصينية جديدة ومستعملة في نفس الوقت؟ (1)

الدعم الحكومي المحلي

رغم الانتقادات، فإن 20 حكومة محلية على الأقل، من بينها قوانغدونغ وسيتشوان، أعلنت صراحة دعمها لتصدير السيارات المستعملة صفرية الأميال. هذا الدعم شمل تسهيلات في التسجيل، تسريع استرداد الضرائب، تقديم مستودعات مجانية قرب الحدود، وحتى تمويل الترويج عبر منصات إلكترونية مثل Alibaba.

في مدينة شنتشن، تعهدت الحكومة المحلية في 2024 بتوسيع هذه الصادرات للوصول إلى هدف 400 ألف سيارة سنويًا. أما قوانغتشو، فخصصت حصص تسجيل إضافية للسيارات البنزين بغرض التصدير.

أرقام مضخمة وسوق مشوّه

في عام 2023، تجاوزت الصين اليابان لتصبح أكبر مصدر للسيارات في العالم، بإجمالي 6.41 مليون وحدة. وقدّرت جمعية تجار السيارات أن نحو 6% من هذه الصادرات كانت سيارات “مستعملة” صفرية الأميال، بينما بلغت النسبة في فئة السيارات المستعملة وحدها نحو 90%.

وتشمل هذه السيارات غالبًا طرازات تعمل بالوقود التقليدي، إلى جانب نسبة معتبرة من السيارات الكهربائية المدعومة حكوميًا، والتي تحقق هوامش ربح جيدة عند تصديرها إلى مناطق مثل آسيا الوسطى.

ردود الفعل الدولية

هذه الظاهرة أثارت ردود فعل متباينة عالميًا. روسيا فرضت حظرًا على استيراد السيارات الصينية صفرية الأميال من علامات لديها وكلاء محليون. الأردن بدأ في تعديل تعريف “المستعمل” ليفرض حدًا زمنيًا بعد التسجيل قبل السماح بالاستيراد.

أما في الداخل، فالصمت الرسمي لا يزال سيد الموقف. لم ترد وزارات التجارة أو الخارجية الصينية على استفسارات الصحافة بشأن هذه القضية، ما يزيد من الغموض حول مدى قانونية هذه الممارسة وحدودها الأخلاقية.

خلال هذا الشهر

إنضم لأكثر من 15 مليون متابع