الربحية في قطاع السيارات لا تتعلق بعدد السيارات المباعة، بل بكمية الأرباح التي يتم تحقيقها من كل سيارة. وقد تجلى هذا المفهوم بوضوح في عام 2024. رغم أن مبيعات السيارات الجديدة عالميًا بلغت نحو 73 مليون وحدة، وولّدت إيرادات إجمالية وصلت إلى 2.38 تريليون يورو، إلا أن النتائج المالية تفاوتت بشكل كبير بين الشركات. فقد بلغ متوسط الإيرادات لكل سيارة نحو 32,548 يورو، لكن هوامش الربح لم تكن متساوية على الإطلاق.
استنادًا إلى البيانات المالية الصادرة عن 30 شركة سيارات رئيسية، ارتفعت الإيرادات الإجمالية للقطاع بنسبة 2.4% بين نهاية عام 2023 و2024. وجاء هذا النمو على الرغم من انخفاض إجمالي عدد السيارات المباعة بنحو 50,000 وحدة، ما يشير إلى أن الزيادة في الإيرادات تعود إلى ارتفاع أسعار السيارات وتأثير تقلبات أسعار الصرف أكثر من نمو حجم المبيعات. وبشكل عام، بلغ متوسط هامش الربح في القطاع حوالي 7.5%، مما يسلط الضوء على مدى شدة المنافسة وهامش الربح الضيق الذي تعمل في إطاره معظم الشركات.
لكن رغم تواضع المعدل العام، استطاعت بعض الشركات تجاوز التوقعات بشكل لافت. فقد سجلت شركتا فيراري وبورشه، وهما من أشهر العلامات الفاخرة في العالم، أعلى هوامش ربح في القطاع، رغم أنهما بعيدتان عن صدارة أرقام المبيعات. ويؤكد هذا النجاح أن هناك فرقًا واضحًا بين نماذج العمل المعتمدة على الحجم ونماذج العمل المعتمدة على القيمة العالية لكل وحدة. فبيع عدد قليل من السيارات لا يعني بالضرورة تحقيق أرباح أقل، خصوصًا عندما تحمل هذه السيارات قيمة فاخرة وسعرًا مرتفعًا.
تستمر فيراري في فرض هيمنتها على مشهد الربحية. فقد أعلنت الشركة عن تحقيق 1.88 مليار يورو كأرباح تشغيلية من إجمالي إيرادات بلغت 6.68 مليار يورو، أي بهامش تشغيلي يتجاوز 28%. ويعني ذلك أن فيراري حققت متوسط ربح قدره 136,671 يورو عن كل سيارة تم تسليمها في 2024. وما يزيد هذا الرقم دهشة، أنه يمثل ارتفاعًا بنسبة 16% مقارنة بعام 2023، حين بلغ متوسط الربح لكل سيارة 117,927 يورو.
خارج فئة السيارات الفاخرة، برزت سوزوكي كأحد أبرز اللاعبين في العام. فقد رفعت الشركة اليابانية هامشها التشغيلي من 8.48% في 2023 إلى 10.3% في 2024، وهي أكبر زيادة بين جميع الشركات التي شملها التحليل. ورغم أن سوزوكي تركز على السيارات العملية ذات الأسعار المعقولة، إلا أنها أصبحت ثالث أكثر شركة سيارات تحقيقًا للربح في العالم، بعد فيراري وبورشه فقط. ويُظهر هذا الإنجاز أن تحقيق الربحية لا يقتصر على السيارات الفاخرة، بل يمكن الوصول إليه من خلال الكفاءة التشغيلية، والتحكم في التكاليف، واستهداف الأسواق بذكاء.
في المقابل، سجلت شركة جريت وول موتورز الصينية أضعف أداء بين الشركات. فقد تراجع هامشها التشغيلي إلى 0.87% فقط في 2024، لتكون في ذيل التصنيف. ويعكس هذا التراجع تحديات في حجم المبيعات وهوامش الأرباح، ويؤكد أهمية التخطيط الاستراتيجي الصارم والكفاءة في الحفاظ على الأداء المالي.
وعند النظر إلى المستقبل، يُتوقع أن تظل مبيعات السيارات مستقرة نسبيًا اعتبارًا من عام 2025، رغم التوقعات بزيادة سنوية قدرها 17 مليون وحدة بحلول عام 2035. ويُعزى هذا الاستقرار إلى عوامل اقتصادية وتنظيمية وسلوكية متشابكة، في حين يُتوقع أن تسهم الأسواق الناشئة، مثل الصين، في الحفاظ على مستوى الطلب.
الأهم من ذلك، أن ربحية الشركات لم تعد تعتمد فقط على مبيعات السيارات، بل أصبحت ترتكز أيضًا على مصادر جديدة للإيرادات، مثل السيارات الكهربائية، والخدمات المتصلة بالبيانات، ومنصات التنقل حسب الطلب. هذه “أحواض الربح” الجديدة تزداد أهمية مع تطور نموذج امتلاك السيارات.
وفي هذا المشهد المتغير، فإن الشركات القادرة على الابتكار في المنتجات، واستراتيجيات التسعير، والخدمات الرقمية، ستكون الأكثر قدرة على تحقيق الربحية المستدامة. سواء عبر التميز الحصري كما تفعل فيراري، أو من خلال الكفاءة العالية كما تحقق سوزوكي، فإن الفائزين في السنوات القادمة هم من يعرفون كيف يستخرجون القيمة من أكثر من مجرد بيع سيارة.